المفاضلة بين القنوات الدسمة  والقنوات النحيفة   لتوصيل الخطة الاستراتيجية

دكتور  محمد مصطفى محمود

لا يكفي أن تكون الاستراتيجية مصاغة بوضوح؛ فنجاحها الحقيقي يعتمد بشكل كبير على مدى فاعلية إيصالها عبر المنظمة لكافة الأطراف المعنية. إن طريقة توصيل الاستراتيجية تؤثر بشكل مباشر على  مستوى فهمها، وتبنيها، وتنفيذها الفعلي. وهنا تبرز الحاجة إلى اتخاذ قرار محوري: ما هي القنوات الاتصالية الأنسب لاستخدامها في شرح الخطة الاستراتيجية للأطراف المعنية؟

تنقسم هذه القنوات عادةً إلى فئتين رئيسيتين: القنوات الدسمة Rich Channels  والقنوات النحيفة Lean Channels   ، لكل منها خصائصها ومزاياها وتحدياتها. ويتطلب تحقيق التواصل الاستراتيجي الفعّال فهماً عميقاً لمتى يتم استخدام كل نوع، وأهمية المزج الذكي بينهما لتحقيق أفضل النتائج.

مفهوم القنوات الدسمة Rich Channels والقنوات النحيفة Lean Channels   

يكمن الفرق الجوهري بين القنوات الدسمة   والنحيفة   في قدرة القنوات على نقل المعلومات بما يتجاوز المعنى الحرفي للنص.

  • القنوات الدسمة : تمتاز بقدرتها على نقل رسائل متعددة (لفظية وغير لفظية)، وتمكينها من التفاعل الفوري بين المرسل والمستقبل. تُسهم هذه القنوات في نقل المعلومات الدقيقة والمعقدة، و ويمكن من خلالها إستخدام نبرة الصوت ولغة الجسد، مما يعزز من فهم السياق. تشمل أمثلة هذه القنوات الدسمة الاجتماعات المباشرة، مؤتمرات الفيديو، النقاشات الجماعية، وورش العمل التفاعلية.
  • القنوات النحيفة  : تعتمد في الأساس على المحتوى المكتوب أو المرئي الثابت، وتفتقر إلى التفاعل الفوري أو استخدام الرسائل غير اللفظية. ومن أمثلة القنوات النحيفة رسائل البريد الإلكتروني، النشرات الإخبارية، المذكرات، التقارير، والعروض التقديمية غير التفاعلية.

متى يتم استخدام القنوات الدسمة  في التواصل الاستراتيجي؟

ينبغي استخدام القنوات الدسمة  في المواقف التالية:

  • عند تقديم استراتيجيات معقدة أو جديدة:  تتيح هذه القنوات شرحاً مفصلاً ومعالجة فورية للأمور التي يشوبها الغموض، مما يسهل فهم الفروق الدقيقة في الاتجاه الاستراتيجي الجديد.
  • لبناء الالتزام والمواءمة: التفاعل المباشر يعزز الفهم والارتباط، حيث يمكن للقادة شرح الرؤية والمنطق خلف الاستراتيجية، مما يُعمّق القناعة والالتزام بها.
  • عند التعامل مع المقاومة أو الشكوك: تساعد هذه القنوات في بناء الثقة ومعالجة التحفظات التي قد تتولد عند البعض وذلك عبر التواصل الشخصي والحوار المفتوح.
  • لتيسير التعاون والفهم المشترك: في الاستراتيجيات التي تتطلب تنسيقاً بين الإدارات، تتيح ورش العمل والاجتماعات الجماعية الفرصة لتبادل الأفكار وبناء فهم موحد للأدوار والمسؤوليات.
  • لنقل معلومات حساسة أو مصيرية: في حالات التحول الاستراتيجي الجذري، تعزز القنوات الدسمة  من التفاعل الإنساني والقدرة على إيصال الرسائل بلغة تتسم بالتعاطف والشفافية.

مزايا القنوات الدسمة:

  • فهم أعمق وفوري بفضل التفاعل المباشر.
  • بناء علاقة إنسانية قوية بين بين المرسل والمستقبل.
  • تعزيز التبني والمشاركة من خلال الانخراط الفعلي في الحوار.
  • التعامل الفوري مع التحفظات ومقاومة التغيير.
  • نقل الإشارات غير اللفظية التي تثري الرسالة وتعمق المعنى.

تحديات القنوات الدسمة:

  • تكلفة ووقت مرتفعان للتنظيم والتنفيذ، خاصة في المنظمات الكبيرة. يكفي تكلفة الفرصة البديلة Opportunity Cost  للوقت الذي يقضيه المشاركين في الاجتماعات.
  • مدى وصول محدود مقارنة بالقنوات النحيفة حيث ليس من السهل ضمان مشاركة كل المستهدفين في المواقع والأوقات المحددة للاجتماعات.
  • صعوبات التنسيق لجدولة الاجتماعات.
  • احتمالية حدوث تشويش بسبب كثافة المعلومات.
  • تعتمد على مهارات المرسل في الإقناع والتيسير وإدارة الحوار.

متى يُفضَّل استخدام القنوات النحيفة   في التواصل الاستراتيجي؟

تُعد القنوات النحيفة   أكثر ملاءمة في الحالات التالية:

  • لنشر المعلومات على نطاق واسع بسرعة وبتكلفة منخفضة.
  • لتقديم تحديثات دورية أو تذكيرات استراتيجية.
  • لتوثيق العناصر الأساسية للاستراتيجية كالمذكرات والخطط والتقارير.
  • للوصول إلى جمهور جغرافي متفرق عبر البريد الإلكتروني أو المنصات الداخلية.
  • لدعم القنوات الدسمة  بتفاصيل إضافية أو مراجع ثابتة.

مزايا القنوات النحيفة 

  • نطاق انتشار واسع في وقت قصير.
  • فعالية من حيث التكلفة وسرعة التنفيذ.
  • رسائل موحدة ومنظمة تُعزز من اتساق التواصل داخل المنظمة.
  • توفر سجلاً مكتوباً يمكن الرجوع إليه لاحقاً.

تحديات القنوات النحيفة 

  • محدودية فرص التوضيح الفوري.
  • الافتقار للجانب الإنساني والشخصي في الرسائل.
  • صعوبة في قياس مستوى الفهم والارتباط الفعلي بالاستراتيجية.
  • إمكانية التفسير الخاطئ للمعلومات بسبب غياب السياق التفاعلي.
  • اعتمادها على التواصل في اتجاه واحد دون فرصة للحوار التغذية العكسية.

أهمية المزج الذكي بين القنوات الدسمة  والنحيفة 

إن أنجح استراتيجيات الاتصال لا تقتصر على قناة واحدة، بل تعتمد على مزيج استراتيجي متوازن يجمع بين مزايا القنوات الدسمة  والنحيفة   لتعظيم الأثر وضمان التبني الفعّال.

مثال على منهجية متكاملة لتوصيل الخطة الاستراتيجية:

  1. الإطلاق الأولي عبر قنوات غنية: من خلال الاجتماعات العامة أو عروض القادة لتعزيز الرسالة شخصياً.
  2. التفصيل والتعزيز عبر القنوات النحيفة: باستخدام البريد الإلكتروني والنشرات والمستندات لدعم الرسالة بمعلومات إضافية.
  3. جلسات تفاعلية متكررة عبر قنوات غنية: لتنشيط الفهم وتيسير الحوار والرد على الأسئلة والاستفسارات صحة.
  4. تحديثات مستمرة عبر القنوات النحيفة : لمتابعة التقدم والاحتفال بالإنجازات.
  5. آليات التغذية الراجعة عبر القناتين: باستخدام الاستطلاعات (خفيفة) والاجتماعات الدورية (غنية) لقياس الفهم وتعديل المسار.

الخلاصة:

يكمن نجاح الاتصال الاستراتيجي في القدرة على إيصال الرسالة بوضوح وفعالية، وضمان فهمها وتبنيها عبر كافة المستويات. ويحقق ذلك من خلال مزيج مدروس من القنوات، يعتمد على طبيعة الرسالة، والجمهور المستهدف، والموارد المتاحة والإطار الزمني المتاح. التواصل الفعّال ليس مجرد إيصال معلومات، بل هو بناء فهم، وتحفيز التفاعل، وتوجيه العمل الجماعي نحو تحقيق الرؤية الاستراتيجية.

 يق الرؤية الاستراتيجية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
انضم إلى نشرتنا الإخبارية Join Our Newsletter